عرض فيلم 'باي باي طبريا' ومناقشة مع المخرجة لينا سوالم.
- Menadocs

- 12 أكتوبر
- 3 دقيقة قراءة
"باي باي طبريا".. رحلة الذاكرة الفلسطينية بين أربع نساء ومكان مفقود

في أمسية سينمائية مفعمة بالحنين والذاكرة، عُرض الفيلم الوثائقي "باي باي طبريا" للمخرجة الفلسطينية الفرنسية لينا سوالم، بحضورها ومشاركتها في نقاش موسّع مع الجمهور بعد العرض. الفيلم الذي يجمع بين الحسّ الشخصي والبعد التاريخي قدّم تجربة إنسانية عميقة تسرد حكاية أربع أجيال من النساء الفلسطينيات، من قرية دير حنّا في الجليل إلى المنافي الأوروبية، مستعيدًا ذاكرة الوطن المفقود من خلال العائلة، الصور، الأرشيف، والصمت الطويل.
منذ اللحظة الأولى، يأخذ الفيلم المشاهد إلى فضاء حميمي، حيث تتقاطع الذاكرة الشخصية مع التاريخ الجماعي الفلسطيني. في قلب الحكاية تقف هيام عباس، الممثلة الفلسطينية المعروفة وأم المخرجة، التي تغادر قريتها في شبابها بحثًا عن الحرية، لتجد نفسها في مواجهة التمزّق بين الجذور والحياة الجديدة في المنفى. ومعها نلتقي بالأم والجدة والحفيدة، في سلسلة من التأملات حول المكان والهوية والذاكرة والأنوثة.
الفيلم، الذي صُوّر بين فلسطين وفرنسا، يستخدم لغة سينمائية شاعرية تجمع بين اللقطات الأرشيفية القديمة والمشاهد الجديدة التي صوّرتها لينا بنفسها. الكاميرا تتحرك بلطف، كأنها تلمس الأشياء التي لم يعد بالإمكان لمسها — البيوت، الشوارع، والبحيرة التي أعطت الفيلم اسمه: طبريا، رمز الفقد والوطن البعيد الذي لا يمكن العودة إليه.
المناقشة: من الصمت إلى السرد
بعد العرض، تحدثت المخرجة لينا سوالم عن دوافعها لإنجاز هذا العمل، موضحة أن الفيلم هو قبل كل شيء محاولة لفتح الصندوق المغلق في الذاكرة العائلية. قالت:
"في عائلتنا كان هناك الكثير من الصمت حول الماضي. لم أكن أعرف التفاصيل الكاملة عن حياة جدّتي وطفولة أمي. شعرت أن هناك شيئًا مفقودًا، فبدأت أبحث عنه بالكاميرا."
وأضافت أن العمل على الفيلم كان بمثابة رحلة لاكتشاف الذات بقدر ما هو استعادة للتاريخ الفلسطيني من زاوية نسائية، مشيرة إلى أن النساء في عائلتها، رغم صمتهن، كنّ يحملن إرثًا من القوة والمقاومة اليومية.
"أردت أن أُظهر أن المرأة الفلسطينية ليست فقط شاهدة على التاريخ، بل فاعلة فيه، تنقله وتشكّله وتورثه للأجيال القادمة."
وأوضحت لينا أن عنوان الفيلم “باي باي طبريا” ليس وداعًا نهائيًا، بل تعبير عن علاقة مستمرة بالمكان رغم المسافات، حيث تبقى طبريا – المدينة التي لم تزُرها المخرجة قط – حاضرة في الذاكرة الجماعية لعائلتها كرمزٍ للانتماء والغياب في آنٍ واحد.
تفاعل الجمهور وتأملات في الذاكرة
شهدت القاعة حضورًا كبيرًا من الجمهور والنقّاد والمهتمين بالسينما الفلسطينية والعربية. بعد العرض، تبادل الحضور مع المخرجة أسئلة حول العلاقة بين الأرشيف والعائلة، وعن كيفية الموازنة بين الحميمي والسياسي في الفيلم.أحد الحضور علّق قائلاً إن الفيلم "يُعيد كتابة التاريخ الفلسطيني عبر عيون النساء، لا كضحايا بل كناقلات للذاكرة"، فيما قالت إحدى الحاضرات إن الفيلم جعلها تفكّر في علاقتها بجدّتها التي لم تلتقِ بها قط، لكنها تعرفها من خلال القصص والصور.
ردّت لينا على هذه المداخلات بقولها إن الغاية من الفيلم ليست فقط السرد الشخصي، بل خلق مساحة للمشاهد كي يستعيد هو أيضًا ذاكرته الخاصة، مضيفة:
"حين نتحدث عن الماضي، لا نفعل ذلك كي نحزن، بل كي نفهم الحاضر ونستطيع أن نرسم مستقبلًا مختلفًا."
بين السينما والذاكرة: رؤية لينا سوالم
تنتمي لينا سوالم إلى جيل جديد من المخرجات اللواتي يستخدمن السينما كوسيلة للمصالحة مع الذاكرة الممزقة. وهي ترى أن الأرشيف العائلي ليس مجرد وثيقة بصرية، بل أداة سياسية لإنقاذ الحكايات التي لم تُكتب رسميًا.في حوارات سابقة، قالت إن “التاريخ الفلسطيني كُتب غالبًا من وجهة نظر الآخر، بينما قصص النساء بقيت في الظل”، ولذلك حاولت من خلال “باي باي طبريا” أن تمنح هذه الأصوات حضورًا قويًا وجمالًا إنسانيًا لا يُختزل في الألم فقط.
الفيلم، الذي جال في مهرجانات عالمية مثل تورنتو، لندن، مراكش، القاهرة، حصد إعجاب النقّاد لتوازنه الدقيق بين الحميمي والسياسي، ولقدرته على تحويل الذاكرة إلى صورة نابضة بالحياة، بعيدًا عن الخطاب المباشر أو الشعارات.
"باي باي طبريا" ليس مجرد فيلم عن عائلة فلسطينية، بل قصيدة بصرية عن الوطن والذاكرة والأنوثة والغياب. هو محاولة لاستعادة ما ضاع، ولرؤية فلسطين من خلال عدسة الحنين، دون أن يغيب عنها سؤال الهوية المعاصرة.في نهاية النقاش، قالت لينا سوالم بهدوء:
"هذا الفيلم ليس عن الماضي فقط، بل عن حاضرنا الذي لا يزال يبحث عن معنى في ظل الفقد. كل ما أردته هو أن نُصغي إلى أصوات أمهاتنا وجدّاتنا، لأن في أصواتهن ما يعيد إلينا أنفسنا."




تعليقات