top of page

صوت هند رجب… صرخة من غزة تهزّ العالم

  • صورة الكاتب: Menadocs
    Menadocs
  • 10 نوفمبر
  • 2 دقيقة قراءة

صوت هند رجب صرخة من غزة تهزّ العالم


صوت هند رجب صرخة من غزة تهزّ العالم

صوت هند رجب… صرخة من غزة تهزّ العالم من قاعة العرض في فينيسيا خرج الجمهور واقفًا يصفّق طويلًا، أكثر من ثلاثٍ وعشرين دقيقة متواصلة، لمخرجة تونسية استطاعت أن تُصغي إلى صوتٍ واحدٍ صغيرٍ وتحمله إلى العالم. فيلم «صوت هند رجب» لكوثر بن هنية ليس مجرد عمل سينمائي، بل هو شهادة إنسانية نادرة تعيد الاعتبار للصوت كوثيقة للذاكرة وللحقيقة، وتحوّل المأساة الفردية إلى وجعٍ كوني يتجاوز حدود الحرب.

الفيلم يستعيد قصة الطفلة الفلسطينية هند رجب التي كانت محاصرة داخل سيارة عائلتها المدمّرة في غزة، تتحدث بهدوء وارتباك عبر الهاتف مع طاقم الإسعاف، قبل أن ينقطع الخط ويعمّ الصمت. من هذه المكالمة الحقيقية، التي سجّلها رجال الإسعاف في تلك الليلة، تنطلق المخرجة لتبني عملاً يمزج بين الوثائقي والدراما، حيث يصبح الصوت هو الصورة، والانتظار هو الحدث، والإنسان هو الحقيقة الوحيدة الممكنة وسط الدمار.

كوثر بن هنية المعروفة بقدرتها على اللعب بين الواقع والتخييل كما رأينا في «الرجل الذي باع ظهره»، تتقدم هنا خطوة أبعد في المغامرة السينمائية. فهي لا تبحث عن المشهد المثير ولا اللقطة الصادمة، بل تنصت. تختار أن نسمع أكثر مما نرى. داخل مركز الإسعاف يتناوب المسعفون في تلقي نداء الطفلة، يحاولون تحديد موقعها، يواجهون ارتباكاً مهنياً وإنسانياً، بينما يزداد التوتر كلما طال الصمت في الطرف الآخر من الخط. إننا أمام فيلمٍ يُعيد تشكيل الدراما عبر غيابها، ويصنع السينما من مادة الصوت وحده، في تذكيرٍ قوي بأن الوثائقي لا يحتاج دائماً إلى الصورة ليقول الحقيقة.

في عرضه العالمي الأول بمهرجان فينيسيا السينمائي، حصد الفيلم إعجاباً واسعاً من النقاد والجمهور على حدّ سواء، واعتُبر من أكثر اللحظات تأثيراً في المهرجان. التحية الطويلة التي نالها لم تكن مجرد تصفيق لفيلمٍ جيّد، بل اعترافٌ بقدرة الفن على حمل المأساة دون أن يستغلها، وعلى تحويل الألم إلى تأملٍ عميق في معنى الإنسانية. منذ تلك اللحظة، صار «صوت هند رجب» حديث الصحافة العالمية، وتضاعف الاهتمام به مع اختياره لتمثيل تونس في سباق الأوسكار لفئة أفضل فيلم دولي لعام 2026.

قوة الفيلم تكمن في بساطته: مكانان فقط تقريباً، أصوات قليلة، لكن كل نفسٍ وكل تردّدٍ في الخط الهاتفي يحمل ثِقَلَ العالم. الأرشيف السمعي هنا ليس زينة توثيقية بل البنية الكاملة للعمل. المخرجة تعاملت مع التسجيل الحقيقي كنبضٍ داخلي للفيلم، تبني حوله المشهد والضوء والمونتاج لتجعل المشاهد يعيش التجربة كما لو كان في قلب الحدث. بذلك يتجاوز الفيلم حدوده الوطنية والسياسية، ويصبح مرآة لكلّ طفلٍ تُرك وحيدًا في وجه الحرب، ولكلّ نداءٍ لم يُجب عليه أحد.

«صوت هند رجب» لا يرفع شعارات، ولا يستسلم للبكاء أو الاتهام. هو فيلم عن الصمت الذي يلي الفاجعة، وعن السؤال الذي يبقى معلقاً: كيف يمكن للعالم أن يسمع ولا يتحرّك؟ إنها صرخة صغيرة من مكانٍ بعيد، لكنها تذكّرنا بأن الصوت قد يكون أقوى من الصورة، وأن الفن حين يكون صادقاً قادر على أن يفتح جرحاً في ضمير الإنسانية.

بهذا الفيلم، تؤكد كوثر بن هنية أن السينما العربية قادرة على أن تخترق الصمت العالمي، وأن تحوّل المأساة المحلية إلى لغة عالمية مشتركة. «صوت هند رجب» ليس مجرد وثائقي عن غزة، بل عملٌ عن جوهر الإنسان، عن هشاشته وشجاعته، عن الأمل الذي يظلّ ينبض حتى في آخر مكالمة قبل الموت.

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page