الجبل الذي أعادنا إلى أنفسنا
- Menadocs

- 15 أكتوبر
- 2 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 19 أكتوبر

يقف وثائقي «Torn» على حافةٍ رقيقة بين سيرةٍ شخصية وفيلم مغامرة، ليحوّل مأساةً وقعت على ارتفاعٍ شاهق إلى تأملٍ عميق في الحب والفقد والولاء. يخرج الفيلم ماكس لو—ابن المتسلق الأسطوري أليكس لو—ليواجه كاميرته كما يواجه ذاته، باحثًا عن معنى الرحلة التي بدأت يوم ابتلع انهيارٌ ثلجي على جبل شيشابانغما في التيبت عام 1999 والده والمصوّر ديفيد بريجز، وترك رفيقه في التسلق كونراد أنكر على قيد الحياة.
ليس «Torn» فيلمًا عن التسلق بقدر ما هو فيلم عن المنحدر الداخلي الذي تتدحرج عليه العائلة بعد الفاجعة. بعد سنوات من الحادثة، تتبدّل ديناميات البيت: يتزوج أنكر من جينيفر لو أرملة أليكس، ويصبح أبًا بالتبنّي لأطفاله. تُعيد الكاميرا تمثيل هذه المعادلة الحسّاسة بلا أحكام؛ تُصوّر الحب الجديد لا كخيانةٍ للراحل، بل كطريقةٍ للبقاء. يتقدّم ماكس في سردٍ متدرّج، أسئلته حادّة ومحرجة أحيانًا، لكنه يمنح الجميع—ومنهم نفسه—حقَّ ارتباك المشاعر وتناقضها.
يتخذ الفيلم من عودة الجثمان بعد سنوات طويلة—حين كشف ذوبان الجليد في 2016 رفات أليكس وبريجز—لحظةَ مفصلٍ سردي؛ وكأن الجبل، الذي خطف الأب، يعيده في توقيته الخاص ليختبر العائلة من جديد: هل يكتمل الوداع أخيرًا؟ وهل يمكن للذاكرة أن تهدأ من دون أن تُمحى؟ هنا يبرع «Torn» في توثيق طقوس الوداع: الرحلات، الرسائل غير المكتوبة، الصمت الذي يملأ الغرف، ومحاولة كل فرد أن يصوغ تعريفه الخاص للوفاء.
صناعة الفيلم نفسها جزء من حكايته. إذ يدرك ماكس أن وضع والدته وزوج أمّه وأخوته أمام الكاميرا يعيد فتح الجرح، لكنه يفعل ذلك بحساسياتٍ واضحة: لقطاتٌ قريبة بلا استغلال، ومونتاجٌ يوازن بين أرشيف مبهِر لتسلق الجبال ومشاهد منزلية عادية تفضح هشاشة الأبطال حين تنطفئ الأضواء. الموسيقى والصوت—وهما عنصران غالبًا ما يُغفَلان في أفلام المغامرة—يمنحان الصورة عمقها الشعوري؛ لا ضجيج بطوليًا، بل نبضٌ منخفض يسمح للمشاهد أن يسمع أنفاس الحِداد.
على مستوى الفكرة، يوسّع «Torn» تعريف البطولة: ليست في اقتحام القمم فحسب، بل في تحمّل تبعاتها أيضًا. يذكّرنا بأن المغامرة، كأي شغفٍ يذهب بصاحبه إلى أقصى حدود الذات، تُخلّف دوائر ارتجاج تمتد إلى العائلة والأصدقاء والمجتمع. وبين أبٍ رحل في ذروة مجده، وأمٍ تحاول النجاة، وابنٍ يصوّر ليعثر على لغةٍ للفقد، ورجلٍ بقي حيًّا يحمل عبءَ الأسئلة؛ يصنع الفيلم بورتريه جماعيًا لعائلةٍ تعلّمت أن تحبّ بالطريقة التي تعرفها—ولو اختلفت تعريفات الوفاء بينهم.
في المحصّلة، «Torn» وثائقيّ شجاع ومؤلم وشفّاف. يواجه الأسطورة بإنسانيتها، ويهب الحكاية حقّها في التعقيد. وإن كان لا يُقدّم إجاباتٍ قاطعة—كيف نُحبّ من رحل؟ كيف نسامح من بقي؟—فإنه يمنحنا الأهم: مساحةً لنسأل بلا خجل، وفنًّا يصوغ من الحزن معنىً قابلاً للعيش. إنها حكاية جبلٍ يعلّمنا، في النهاية، أن أعلى القمم قد تكون داخل البيت.




تعليقات