top of page

احتفاء بسينما أفريقيا والصوت الوثائقي

  • صورة الكاتب: Menadocs
    Menadocs
  • 13 نوفمبر
  • 3 دقيقة قراءة

 فيلم : فيلم من السودان إلى الكونغو

مصدر الصورة: فيلم : فيلم من السودان إلى الكونغو


احتفاء بسينما أفريقيا والصوت الوثائقي

ينطلق مهرجان Film Africa 2025 في العاصمة البريطانية لندن خلال شهر نوفمبر الجاري حاملاً شعارًا يعكس التنوّع الإبداعي والثراء الثقافي للقارة الإفريقية. هذا المهرجان الذي تنظّمه الجمعية الإفريقية الملكية Royal African Society يُعدّ من أبرز الفعاليات السينمائية المخصّصة للأعمال القادمة من إفريقيا والشتات الإفريقي، حيث يجمع بين السينما الروائية والوثائقية ويمنح حيّزًا واسعًا للأصوات الجديدة التي توظّف الكاميرا كأداة للذاكرة والمقاومة والسرد الذاتي.

احتفاء بسينما أفريقيا والصوت الوثائقي في نسخته لعام 2025 يركّز المهرجان على السينما الوثائقية بوصفها لغة مشتركة تعبّر عن التحوّلات الاجتماعية والسياسية في القارة، إذ يُعرض أكثر من خمسين فيلمًا من عشرين دولة إفريقية تتنوّع بين الأفلام الطويلة والقصيرة، لكن يجمعها نزوع واحد نحو الرصد الواقعي النقدي والاشتغال على موضوعات الهجرة والعدالة الاجتماعية والبيئة والذاكرة الجماعية. يقول كيث شيري مدير المهرجان والناقد السينمائي المعروف إن الوثائقي الإفريقي لم يعد مجرد وسيلة لتسجيل الواقع، بل أصبح أداة تفكيك وإعادة بناء للهوية الإفريقية في سياق عالمي متغير، مضيفًا أن المهرجان يسعى إلى كسر الصورة النمطية عن القارة عبر أفلام تحكي من الداخل لا من منظور استشراقي خارجي.

وتتنوّع الأعمال المشاركة هذا العام بين تجارب وثائقية نالت جوائز في مهرجانات عالمية وأخرى تُعرض لأول مرة، من بينها فيلم "The Sound of Dust" من النيجر الذي يتناول علاقة الموسيقى بالاحتجاج الشعبي، وفيلم "Memory of Water" من جنوب إفريقيا الذي يوثّق الصراع من أجل الوصول إلى المياه في المجتمعات المهمّشة، بالإضافة إلى فيلم "Beyond the Sand" وهو إنتاج مغربي سنغالي مشترك يسلّط الضوء على قصص اللاجئين في الصحراء الكبرى. كما يخصّص المهرجان برنامجًا بعنوان "Voices of Women" يحتفي بالإبداع الوثائقي النسوي في القارة، ويضم أفلامًا لمخرجات من السودان وكينيا والمغرب ونيجيريا، ما يعكس تنامي حضور المرأة في صناعة الفيلم الوثائقي الإفريقي.

ولا يُعدّ Film Africa حدثًا فنيًا فحسب، بل يمثل منبرًا ثقافيًا وسياسيًا يعيد طرح أسئلة الانتماء والتمثيل في زمن تتقاطع فيه السينما مع قضايا ما بعد الاستعمار والذاكرة والهوية وتحدّي النظرة الغربية السائدة حول العالم الثالث. تشير الباحثة السينمائية الغانية أبا كويسي في إحدى ندوات المهرجان إلى أن الوثائقي الإفريقي ينهض اليوم كوثيقة مقاومة لا بوصفه مادة أرشيفية جامدة بل كفعل ثقافي حيّ يعيد كتابة التاريخ من منظور الشعوب الإفريقية نفسها. ويجد هذا التوجه صداه في تعاون المهرجان مع مؤسسات تعليمية في بريطانيا وعدد من الدول الإفريقية لتقديم ورش تدريبية حول صناعة الفيلم الوثائقي المستقل وتقنيات السرد البصري المعاصر.

واختيار لندن كموقع للمهرجان لا يأتي اعتباطًا، فهي واحدة من المدن الأكثر تنوعًا ثقافيًا في العالم وتحتضن جاليات إفريقية واسعة، ما يجعلها منصة مثالية للحوار بين صُنّاع الأفلام والنقّاد والجمهور. من خلال هذه البيئة التفاعلية يتيح المهرجان فرصًا لتوسيع نطاق توزيع الأفلام الإفريقية على منصّات دولية ويفتح الباب أمام شراكات إنتاج بين منتجين من إفريقيا وأوروبا، وهو ما يسهم في تطوير منظومة التمويل المستدام للأفلام الوثائقية المستقلة التي تعاني عادة من تحديات مادية وإنتاجية كبيرة.

وتبرز في دورة هذا العام ملامح التحوّل الرقمي الذي يشهده المشهد السينمائي الإفريقي، إذ يشارك جيل جديد من المخرجين الشباب بأفلام مصوّرة بوسائل رقمية منخفضة التكلفة، ما يعكس تغيّرًا جذريًا في البنية التقنية والاقتصادية للسينما الوثائقية في القارة. هؤلاء المبدعون يوظّفون الكاميرات المحمولة والهواتف الذكية لتصوير قصص حيّة من قلب المدن والقرى الإفريقية، مستفيدين من المنصّات الرقمية لبث أفلامهم والوصول إلى جمهور أوسع من أي وقت مضى. ويؤكد المخرج التنزاني الشاب جوزيف موامبا، الذي يشارك بفيلمه "Street Rhythms"، أن ثورة التكنولوجيا الرقمية مكّنت الجيل الجديد من سرد قصصه بنفسه ومن دون الحاجة إلى وسطاء أو تمويل مشروط من الخارج.

يُختتم المهرجان برسالة واضحة مفادها أن Film Africa لا يقدّم مجرد عروض سينمائية، بل يحتفي بالذاكرة البصرية الإفريقية ويمنح الوثائقي مكانة مركزية في إعادة تعريف علاقة القارة بذاتها وبالعالم من حولها. فهو احتفال بالصوت والصورة وبالحق في الحكاية في زمن تتقاطع فيه السينما مع السياسة، والهوية مع التكنولوجيا، والخيال مع الواقع، ليؤكد أن الفيلم الوثائقي الإفريقي ليس فقط مرآة للحاضر، بل أفق لرؤية المستقبل

 
 
 

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page