إطلاق السلسلة الوثائقية «السيد سكورسيزي»

تتقدّم السلسلة الوثائقية الجديدة «Mr. Scorsese» مدخلًا مكثّفًا إلى عالم المخرج الأميركي الأسطوري مارتن سكورسيزي، عبر سرد بصري يتتبّع أكثر من خمسين عامًا من الإخراج. لا تكتفي الحلقات بتأريخ المحطات الكبرى، بل تفكّك «لغة» سكورسيزي: الكاميرا المتحركة التي تُحاكي نبض الشخصيات، اللقطات الطويلة التي تشحن المشهد توترًا، والمونتاج بوصفه كتابة ثانية تعيد ترتيب الإحساس بالزمن والمعنى.

تعتمد السلسلة على لقطات نادرة من أرشيف سكورسيزي الشخصي، وشهادات نجوم ومقارَبين ذوي صلة وثيقة بمشروعه، في مقدّمتهم روبرت دي نيرو وليوناردو دي كابريو، إضافةً إلى محرّرته الدائمة ثيلما شونمايكر. هذه الشهادات لا تُضفي الوجاهة فحسب، بل تكشف «الميكانيزم» الخفيّ لصنع المشهد: توجيه الممثل، مساحة الارتجال المنضبط، وكيف تصبح الموسيقى (من الروك إلى التراتيل) طبقةً سردية لا زينةً صوتية.

يرصد العمل انتقالات سكورسيزي الموضوعية: من عالم العصابات والذكورة الهشّة في «Taxi Driver» و«Raging Bull» و«Goodfellas»، إلى التأملات الروحية والوجودية في «Kundun» و«Silence»، ثم التأليف المتأخر في «The Irishman» حيث الشيخوخة والذنب والذاكرة. الثابتُ هنا هو السؤال الأخلاقي الحادّ: كيف ينجو المرء داخل عالم ملوّث بالعنف والإغواء؟

تجادل السلسلة بأن سكورسيزي ليس مجرد «مخرج نجم»، بل حافظٌ لذاكرة السينما الأميركية ومؤرِّخٌ لها بالممارسة: يقتبس ويحاور ويُعيد كتابة الإرث الكلاسيكي من زاوية معاصرة. لذلك تبدو أفلامه مختبرًا لفهم أميركا ذاتها: صعودًا وهوسًا ودينًا ودنيويًا في آنٍ واحد.

في المحصلة، «Mr. Scorsese» وثيقة فنية وتاريخية تُضيء تطور السينما الأميركية الحديثة، ودرسٌ عملي في الحِرفة والهوية الثقافية للفنان، ومرجعٌ موجز وفاعل لعشّاق السينما الوثائقية والطلّاب والممارسين على حدّ سواء