موضوع الفيلم
لحظة غيّرت مسار كاتب

في بداية مسيرته، عاش كاتب السيناريو كوري مانديل موقفًا غيّر نظرته للكتابة كلّها. وهو ما يزال طالبًا في مدرسة السينما، باع فكرة فيلم للمخرج ريدلي سكوت بعنوان Metropolis. فجأة وجد نفسه على متن طائرة متجهة إلى لندن على الدرجة الأولى لأول مرة في حياته، وهو خائف من أن يكتشف سكوت أنه طالب لا يعرف تمامًا ما يفعل.

في الاجتماع الأول، سأله سكوت سؤالًا بسيطًا ظاهريًا:
“عن ماذا يدور الفيلم؟”
تجمّد مانديل وأجاب بملخص الحبكة. هزّ سكوت رأسه وسأل مجددًا:
“أقصد… عن ماذا يدور حقًا؟ ما جوهره؟”
لم يكن لدى مانديل جواب. قضى تلك الليلة يتصل بكل من يعرفه في لوس أنجلوس محاولًا فهم المقصود. وفي اليوم التالي عاد بإجابة حقيقية. عندها طلب منه سكوت أن يصقلها ويكتبها ويقرأها ويضع دائرة حولها، ثم قال:
“هذا هو موضوع الفيلم. وكل شيء يجب أن يتصل بهذه الفكرة الواحدة.”
ليس “ما الذي يحدث؟” بل “ما الذي يعنيه؟”
يرى مانديل أن معظم الكتّاب لا يدركون هذا إلا بعد أن يشرحه لهم أحد: إذا كان فيلمك “عن أشياء كثيرة”، فهو في الحقيقة ليس عن أي شيء. يشبّه الأمر بصديق يريد بناء منزل، فيبني جزءًا على الشاطئ وجزءًا في الغابة وآخر في الجبال… فتتشتت الجهود ولا يقوم منزل واحد متماسك.
الكاتب الجيد لا يذهب “عرضًا” بل “عمقًا”. يسأل نفسه: ما الفكرة المحورية التي أستكشفها؟ هل أستطيع الإشارة إلى شيء واحد أقول إن السيناريو يدور عنه؟
الفرق بين “اللوغلاين” و”الثيمة”
الثيمة ليست اللوغلاين.اللوغلاين أداة بيع: جملة أو اثنتان لإغراء القارئ بقراءة السيناريو.أما الثيمة فهي ما يتأسس عليه كل قرار سردي وبصري.
اللوغلاين الذي اشتهر لمسلسل Breaking Bad كان: “مستر تشيبس يتحول إلى سكارفيس”. خطّاف جذاب، نعم، لكنه يصف مسار والتر وايت فقط. لا يشمل سكايـلر أو سول أو بقية العالم. ما الذي يوحّد المسلسل إذن؟
بحسب مانديل، أعلن المؤلف فينس غيليغان عن الثيمة في المشهد الثاني من الحلقة الأولى: يشرح والتر لطلابه أن الكيمياء هي دراسة التغيّر. هذه الفكرة — “التغيّر” — صارت بوصلة كل شخصية وكل قرار في السرد: كيف يتغيّر الأبطال؟ كيف تغيّرهم الظروف؟ وما “نواتج” ذلك التغيّر؟
لماذا يهم هذا إلى هذا الحد؟
يستشهد مانديل بالكاتب بادي تشايفسكي (كاتب Network) الذي كان يقول إنه يشفق على الكاتب الذي لا يعرف عمّا يكتب. لم يكن يشرع بالكتابة قبل أن يكتشف جوهر الحكاية. استغرقه عامٌ كامل ليصوغ سؤال Network المركزي:“كيف تعيش حياتك داخل مجتمع لا يقدّر حياة الإنسان؟”
هذه الرسالة لا تُذكر حرفيًا في السيناريو، لكنها القوة الشعورية والروحية التي تقود كل شيء — وهي ما يجعل الجمهور يشعر ويهتم.
الكثير من الكتّاب يعجزون عن صياغة ثيمة قصتهم حتى بعد مئة صفحة. إن لم تستطع تلخيص “عن ماذا تدور قصتك حقًا” في جملة واحدة، فأنت تكتب على عَمى. وكما يحذّر مانديل: إن لم تجب عن هذا السؤال، فلن يلفت عرضك أو سيناريوك الانتباه الذي يستحقه مهما كنت موهوبًا.
الخلاصة العملية
قبل أن تكتب — أو قبل أن تصوّر — اكتشف جوهر قصتك.ليست الحبكة، وليست اللوغلاين.اسأل نفسك: ما الذي أريد قوله حقًا؟ واجعل كل مشهد، وكل اختيار، يعود إلى تلك الجملة الواحدة.
