top of page

رائد أنضوني

رائد أنضوني

البداية: من رام الله إلى السينما

وُلد رائد أنضوني في رام الله عام 1967، ونشأ في ظل الاحتلال الإسرائيلي، حيث شكّلت التجربة اليومية للمنع والقهر أول تماس له مع فكرة الهوية الممزقة وضرورة التعبير عنها بصرياً.
بدأ عمله في مجال الإنتاج والإخراج في تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يتحوّل إلى واحد من أهم صانعي الأفلام الوثائقية الفلسطينيين الذين تجاوزوا حدود التسجيل والواقعية نحو لغة فنية شعرية وتأملية.



السينما كمساحة علاج واعتراف

يُعرَف رائد أنضوني بأسلوبه الذي يمزج بين الوثائقي والتخييل، حيث لا يبحث عن الحقيقة الجاهزة، بل عن الإحساس بالحقيقة.
في أفلامه، تتحوّل الكاميرا إلى أداة نفسية، تحفر في الذاكرة، وتعيد بناء التجربة الإنسانية من الداخل.
إنه من المخرجين الذين لا يصوّرون الآخرين فقط، بل يصوّرون ذواتهم من خلالهم.



«اصطياد أشباح»… تجربة استثنائية في الوثائقي العربي

🎞️ اصطياد أشباح (Ghost Hunting) – 2017
يُعدّ هذا الفيلم أهم أعماله وأكثرها شهرة، وقد فاز بـ جائزة الدب الفضي لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي الدولي (Berlinale).

في الفيلم، يعود أنضوني إلى تجربة اعتقاله في سجن المسكوبية الإسرائيلي في التسعينيات، فيعيد بناء فضاء السجن داخل استوديو في رام الله بمساعدة عدد من المعتقلين السابقين.
يقومون معًا بتمثيل ذكرياتهم المؤلمة في مشاهد حية تجمع بين التمثيل والعلاج النفسي، بين الواقع والخيال.

الفيلم ليس عن السجن فقط، بل عن الأثر النفسي للسجن، وعن محاولة إعادة امتلاك الذاكرة عبر الفن.
من خلال هذه التجربة، يطرح أنضوني سؤالاً عميقًا: هل يمكن للسينما أن تشفي الجرح، أم أنها تعيد فتحه؟



«رجل على الحافة» و«القدس في يوم عادي»

قبل “اصطياد أشباح”، قدّم أنضوني أفلامًا أخرى رسّخت لغته السينمائية الخاصة:
• 🎞️ القدس في يوم عادي (Jerusalem in a Day) – 2009
فيلم يتتبّع مشاهد من الحياة اليومية في القدس، بعيدًا عن الصورة النمطية، ليروي التعايش والتوتر في آنٍ واحد.
• 🎞️ رجل على الحافة (Fix Me) – 2010
وثائقي شخصي يمزج بين العلاج النفسي والبحث عن المعنى. يتابع أنضوني نفسه وهو يخضع لجلسات علاج، محاولًا فهم تعقيد هويته الفلسطينية والإنسانية.
الفيلم عرض في مهرجان صندانس وكان، ونال إشادة نقدية عالمية لصدقه وتجريبيته.



لغة بصرية متفرّدة

تتميّز سينما أنضوني بـ:
• الاقتراب من الذات بوصفها فضاءً سياسيًا.
• استخدام الكاميرا الثابتة واللقطات الطويلة التي تمنح المتحدثين وقتًا للتعبير والسكوت.
• المونتاج التأملي الذي يخلق إيقاعًا نفسيًا أكثر منه سرديًا.
• توظيف الصمت والمكان بوصفهما شخصيتين رئيسيتين.

هو لا يوثّق الأحداث، بل يؤنسن التجربة، فيجعل المشاهد يعيشها كحالة شعورية لا كمعلومة.



الإرث والتأثير

يُعتبر رائد أنضوني من الأصوات التي غيّرت مفهوم الفيلم الوثائقي الفلسطيني والعربي.
بأسلوبه المتأمل، فتح الباب أمام جيل جديد من المخرجين الذين يرون في الوثائقي مساحة شخصية للتعبير، وليست فقط وسيلة للنضال أو التوثيق.
وقد أصبح اسمه مرجعًا في المهرجانات العالمية، وجزءًا من التحوّل الذي جعل السينما الفلسطينية أكثر عمقًا وذاتية.



خلاصة

رائد أنضوني ليس فقط مخرجًا، بل معالجٌ بالكاميرا.
يستخدم السينما ليواجه الخوف، وليتفاوض مع الذاكرة، وليحوّل الوجع إلى صورة.
في عالمٍ يفيض بالضجيج، اختار أن يصنع أفلامًا تهمس أكثر مما تصرخ — لكنها تظل عالقة في الوجدان، كأشباح لا تغادر.

bottom of page