جوسلين صعب

جوسلين صعب (1948–2019) صحفية ومخرجة وفنانة لبنانية، من أبرز روّاد السينما في لبنان والعالم العربي. بدأت مراسلةً في مناطق النزاع قبل أن ترسم مسارًا فريدًا في الفيلم الوثائقي والروائي، وأسّست لاحقًا مهرجانًا يُعنى بالمقاومة الثقافية السينمائية في لبنان. رحلت في 7 يناير 2019 في باريس بعد مسيرة امتدّت عقودًا.
«ثلاثية بيروت»… كتابةُ مدينةٍ تحت القصف
ارتبط اسم صعب بواحدة من العلامات المفصلية في السينما العربية: «ثلاثية بيروت» التي ضمّت بيروت… لن نعود أبدًا (1976) ورسالة من بيروت (1978) وبيروت، مدينتي (1982). لا تكتفي هذه الأعمال بالتوثيق؛ إنها تعيد تركيب الذاكرة عبر صورٍ جزئية ولقطات يومية تقاوم بلاغة الحرب، لتغدو الكاميرا أداةً للنجاة من المحو. قُدِّمت الثلاثية في تظاهرات دولية وحظيت بقراءات نقدية تؤكد قيمتها الجمالية والسياسية.
من الصحافة إلى السينما الشخصيّة
مع بدايات الحرب الأهلية، أنجزت صعب أفلامًا ذات نزعة تقريرية مثل لبنان في دوّامة وجبهة الرفض (1975)، قبل أن تنزاح تدريجيًا نحو الفيلم-المقال الذي يمزج التقرير بالتأمل وبناء الصوت الذاتي. هذا العبور من «الخبر» إلى لغةٍ سينمائية تُفكّر صار سمةً لعملها اللاحق.
خيالٌ لا ينفصل عن الوثائقي
لم تكن الحدود صلبةً بين الأجناس عند جوسلين صعب. تعاونت عام 1981 مساعدَةَ مخرجٍ لفولكر شلوندورف في فيلم مصوّر ببيروت، ثم قدّمت لاحقًا أعمالًا تمزج التخييل بالوثائقي مثل حياة معلّقة وكان يا ما كان… بيروت، وصولًا إلى دنيا/«قبّلني لا على العيون» (2005)، حيث تُختبر العلاقة بين الجسد والحرية والصورة. كانت ترى أن الوثائقي والروائي يمتحان من النبع نفسه: الواقع حين يُعاد كتابته بصريًا.
فنون معاصرة وتوسيع وسيط الصورة
في الألفينيات، وسّعت الفنانة ممارستها إلى التركيبات البصرية والتصوير الفوتوغرافي؛ من بينها أعمال متعددة الشاشات في متاحف ومؤسسات دولية. لم يكن ذلك خروجًا عن الوثائقي بقدر ما كان تجريبًا لطرقٍ جديدة لحمل الذاكرة على الشاشة والجدار معًا.
الأرشيف كحقّ عام
بعد رحيلها، تأسست جمعية تحمل اسمها تعمل على حفظ أفلامها وأوراقها وإتاحة أرشيفها للباحثين عبر مبادرات تدريب وتداول للأرشيف. تحوّل إرثها إلى مخبرٍ مفتوح لتعليم صون الذاكرة البصرية العربية، مع فهرسة رقمية متواصلة لموادّها.
لماذا نكتب عنها اليوم؟
لأن أفلام جوسلين صعب تقترح تعريفًا آخر لـ«الوثائقي»: ليس «تسجيل الواقع» بل مقاومة ضدّ النسيان وصناعة معنى في قلب الفوضى. يصمد عملها أمام الزمن لأنه يسأل: كيف نصوّر مدينة تُمحى؟ وكيف نصنع من شظاياها سيرةً مشتركة؟
