top of page

كيف غيّرت الوسائط الرقمية طريقة سردنا للقصص

الوسائط الرقمية وتطورها السريع

لم تعد القصة في عصرنا الحديث تُروى كما كانت قبل عقدٍ واحد فقط. فظهور الوسائط الرقمية وتطورها السريع أعاد صياغة العلاقة بين الراوي والمتلقي، وبين الصورة والزمن، وبين الحدث ووقعه الإنساني. نحن اليوم أمام ثورة سردية جديدة، تُعيد تعريف مفهوم “القصة” ذاته، ليس فقط في السينما أو الإعلام، بل في كل مجالات التعبير البصري والمعرفي.
في الماضي، كانت القصة تسير في خط زمني واضح، وتُروى عبر وسيط محدد: كتاب، فيلم، أو برنامج تلفزيوني. أما اليوم، فالسرد أصبح متشعبًا ومتزامنًا. القصة الواحدة يمكن أن تُروى عبر فيديو على «تيك توك»، وسلسلة منشورات على «إنستغرام»، ومقال تفاعلي على موقع إلكتروني، وبودكاست يضيف بعدًا صوتيًا مختلفًا. هذا التعدد في الوسائط جعل الجمهور ليس مجرد متلقٍ، بل مشاركًا في تشكيل القصة وإعادة إنتاجها.
لقد غيّرت الوسائط الرقمية مفهوم “الزمن” في السرد. فبينما كانت الأفلام الوثائقية والروائية تُبنى على تسلسل زمني محكم، جاءت المنصات الرقمية لتكسر هذا الخط. لم تعد البداية والنهاية ثنائيتين ثابتتين، بل أصبحت القصة تجربة مفتوحة، يمكن الدخول إليها من أي نقطة، والخروج منها دون اكتمالها بالضرورة. لقد أصبح السرد أقرب إلى “التدفق”، يعيش داخل الزمن الحقيقي للمستخدم، لا خارجه.
من ناحية أخرى، فرضت الوسائط الجديدة لغة بصرية مختلفة. الصور القصيرة والمقاطع السريعة صارت أكثر تأثيرًا من اللقطات الطويلة. والصدق الفوري أصبح أهم من الإتقان الفني. الكاميرا لم تعد حكرًا على المحترفين، بل أداة سردية في يد كل من يحمل هاتفًا ذكيًا. وبهذا، تحوّل كل إنسان إلى راوٍ محتمل، وكل لحظة إلى قصة تنتظر من يرويها.
لكن الأهم من كل ذلك أن الوسائط الرقمية ألغت الحدود بين الأجناس الفنية. صار الفيلم الوثائقي يقترب من محتوى السوشيال ميديا، والمقال الصحفي يتحوّل إلى تجربة تفاعلية بالصوت والصورة، والإعلان يقتبس من لغة السينما. هذا التهجين بين الأشكال أنتج خطابًا سرديًا جديدًا، يتجاوز الشكل إلى الجوهر، ويمنح القصة طاقة جديدة على الانتشار والتأثير.
bottom of page