الفيلم الوثائقي العربي يعاني التهميش
ماهر محمد خليل
تعاني صناعة الفيلم الوثائقي في العالم العربي من مشاكل وعقبات عديدة، لعل أهمها التهميش الذي تعرفه من قبل دور الإنتاج العربية مقابل اهتمام مفرط بالفيلم الروائي الذي ظل دون منازع المهيمن على المشهد السمعي البصري العربي لأسباب عديدة.
لكن إذا كان الإنتاج الوثائقي ضحية لعزوف المنتجين المصابين بـ"هوس" معادلة "لا أنتج إلا لأربح"، فإن أسبابا عديدة تجمعت لتبقى هذه الصناعة دون تطلعات المواطن العربي.
الخبير اللبناني في إنتاج الأفلام الوثائقية جون شمعون أكد للجزيرة نت أن هناك عدم احترام للفيلم الوثائقي في العالم العربي وأن هناك عدم تعويد للمشاهد العربي على هذه النوعية من الأفلام، رغم اهتمامه عن قرب بواقع الإنسان وهمومه.
"أحمل القنوات التلفزية العربية العامة والخاصة المسؤولية كاملة على تهميش الفيلم الوثائقي وعدم برمجته على حساب أفلام روائية تفسد ذوقه ولا تفيده في شيء" حسب تعبيره.
وتابع شمعون "لنقارن بين الوثائقي في الغرب والوثائقي عندنا العرب، الفرق شاسع وكبير، إنهم يقدرون هذه النوعية ويهتمون بها لأنها صادقة أكثر ومخلصة للواقع وتعالج مواضيع حقيقية تنطلق من الإنسان وتتفاعل معه".
مرحلة متأخرة
الإنتاج الوثائقي العربي لا زال هزيلا شكلا ومضمونا (الجزيرة نت)
الإنتاج الوثائقي العربي لا زال هزيلا شكلا ومضمونا (الجزيرة نت)
ويلاحظ أن المنتجين العرب لا زالوا بمرحلة متأخرة في تعاملهم مع الفيلم الوثائقي، ويرى الخبراء عدم التفريق بعد بين الروبرتاج والوثائقي في حين أن لكل من هذين النوعين تقنياته وأساليبه في طرح المواضيع والتعامل معها وإخراجها.
يؤكد مخرج الأفلام الوثائقية محمد إقبال شقشم هذا الرأي، معتبرا أن من بين المشاكل التي لا زالت تقف حجر عثرة أمام الأفلام التسجيلية (الوثائقية) أنها لا تعرض في قاعات السينما على غرار الأفلام الروائية، وبالتالي لا تحظى باهتمام المنتجين والممولين.
"ليس هناك سوق للأفلام الوثائقية العربية، لا زلنا نعيش فترة التعويل على الآخر، وأعني هنا الدبلجة عن القنوات الأجنبية، التي لها الجرأة والخبرة الكافيان حتى تمرر وجهة نظرها الخاصة التي قد لا تنطبق مع الواقع والعقلية العربيين" حسب شقشم.
ويتفق معه في هذا الرأي منتج الأفلام الوثائقية والروائية التونسي لطفي لعيوني الذي اعتبر غياب القنوات التلفزيونية وصالات السينما المختصة عائقا أمام إنتاج أكثر كما وأحسن جودة.
ورأى لعيوني أن الأوروبيين والأميركيين أنشؤوا قنوات تلفزيونية تركز كليا على الأفلام الوثائقية بجميع أنواعها واستشهد بـ"أرتي" الفرنسية الألمانية و"الخامسة" الفرنسية" و"بي بي سي" الإنجليزية و"ديسكوفري" الأميركية "و "زاد دي أف" الألمانية، في حين لا توجد أي قناة عربية مختصة حتى الآن، حسب قوله.
ثقافة وثائقية
"
الوثائقي صورة تعبر عن نفسها والكلام تكملة للصورة لا أكثر، شعار الفيلم الوثائقي هو باختصار شديد: صورة أحسن من ألف كلمة
"
ويتفق أغلب المهتمين بالأفلام الوثائقية تقريبا على أن مسألة الإنتاج مرتبطة كليا بالسوق التي تمثل الممول الأساس لصناعة وثائقية عربية صلبة يكون فيها الكم سبيلا إلى تحسين وتجويد الشكل والمضمون، ونقطة الانطلاق لبناء ثقافة وثائقية عربية حقيقية.
محمد بلحاج المختص في إخراج الأفلام الوثائقية أيد هذا الرأي وأكد للجزيرة نت أن منتج الوثائقي العربي ومتلقيه على حد سواء ليس لديهما ثقافة الوثائقي، لأنهما تعودا على ثقافة الكلام وهي الصفة الأولى للفيلم الوثائقي.
"الوثائقي صورة تعبر عن نفسها والكلام تكملة للصورة لا أكثر"، حسب بلحاج الذي أضاف أن شعار الفيلم الوثائقي هو باختصار شديد "صورة أحسن من ألف كلمة".
نقطة ثانية لا تقل أهمية عن الأولى تفسر ضعف الإنتاج الوثائقي عربيا وهي التكوين الأكاديمي الذي ظل ولازال بدائيا هذا إن وجد أصلا.
ويقول بلحاج في هذا السياق "أغلب المخرجين العرب ليست لهم دراية بتقنيات الفيلم الوثائقي وتقنياته التي تختلف كليا عن الفيلم الروائي، هناك خلط كبير بين الاثنين، وجهل أيضا بمدرسة الإخراج الوثائقي الذي هو بكل بساطة إجابة عن سؤال "متى، أين وكيف أصطاد الصورة؟"
وعن مسألة التضييق الذي يلقاه الفيلم الوثائقي بصفته ينقل الواقع بجميع مستوياته السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.. قال محمد بلحاج إن ذلك لم يعد عائقا مع بروز قنوات خاصة جديدة مختصة وشبه مختصة في بث الأفلام التسجيلية.
وتابع بلحاج أن مثل هذه القنوات شكلت نقطة تحول كبيرة ستتجاوز مشكلة الرقابة وحرية
التعبير كما ستزيح عقبة أخرى وهي السوق الضيقة التي كان يعاني منها الإنتاج الوثائقي العربي.